في ظل هيمنة لغة فرنسا.. مركز حقوقي يدعو بوعياش لحماية حقوق المغاربة اللغوية ومكافحة الميز على أساس اللغة
إلى
السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الاناسان
الموضوع: صون الحقوق اللغوية للمواطنات/ ن المغاربة
لفائدة: مركز حماية الحقوق الاجتماعية والاستراتيجيات الانمائية
سلام تام بوجود مولانا الامام
يتشرف "مركز حماية الحقوق الاجتماعية والاستراتيجيات الإنمائية" بالتقدم إليكم بهذه الرسالة من أجل حث الحكومة اعلى تفعيل ضمانات الحقوق اللغوية والثقافية للمغاربة التي أكد عليها الدستور خاصة في ديباجته، وتمتيع المواطنين بجميع حقوقهم المرتبط تحقيقها بتعزيز لغتهم الوطنية، كالوصول إلى المعلومات والخدمات الإدارية، واستفادتهم في كافة مجالات الحياة بلغتهم العربية المقررة في الدستور اللغة الرسمية للبلاد، وكذلك إنهاء ظاهرة التمييز على أساس اللغة، حيث يجري هذا التمييز بتوظيف العربية الوطنية والفرنسية الأجنبية على نحو يميز بين مجالات ومرافق عامة وفق محددات الغنا والفقر أو الانتماء الطبقي.
أصدر القضاء الإداري في المغرب عام 2018 حكما نهائيا يقضي بعدم مشروعية اللغة الفرنسية في الإدارات، كما أصدر رئيس الحكومة عقب ذلك بتاريخ 30 أكتوبر 2018 منشورا عممه على الوزارات والإدارات يلزمها باستعمال اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية.
غير أن الملاحظ أن الحكومة مازالت تمتنع عن تفعيل الطابع السيادي للغة العربية، ذلك أن اللغة الفرنسية التي فرضتها القوة الاستعمارية عام 1912 حتى 1956 تاريخ الاستقلال، مازالت تتخذ ذات الشكل الذي فرضه المستعمر إن لم نقل زادت سيطرتها على الحياة العامة، وذلك نظرا لأنها حظيت باهتمام فئة بالغة الثراء في البلاد، وقد ظلت هذه الفئة محط سخط شعبي بسبب احتكارها المناصب العليا، لفترة من الزمن، وبسبب نفوذها المالي والإداري، وقد جرت العادة أن تستعمل هذه الفئة المقتدرة ماليا اللغة الفرنسية وسيلة لتوارث المناصب الهامة ما نجم عنه استبعاد لعموم أبناء المغاربة، ذلك أن هذه اللغة غير القانونية كانت لغة الإدارة بامتياز، كما استعملتها وسيلة للتفريق بين الحياة الشعبية والحياة المخملية الراقية، فعكست بذلك التوجه الطبقي التمييزي على المجالات الرسمية والفضاءات العامة، فأمست الخدمات الممتازة والإدارات بل والقطاعات الرفيعة أيضا، إما حكرا على اللغة الفرنسية أو في أفضل الأحوال منحها الأولوية. مثلا قطاع الحافلات الحضارية الموجهة للطبقات الفقيرة والمتوسطة، تكون اللغة العربية معممة في خدماته في حين أن قطاع السكك الحديدية أو خدمات الترامواي، خاصة الخدمات الرفيعة المقدمة للراكب، نجد اللغة الفرنسية إما تسيطر عليها وتحتكر بعضها أو تكون لها الأولوية فتكتب فوق لغة المواطن المغربي، كما نجد الفرنسية تسيطر على خدمة "البراق" المتعلقة بالقطار السريع الذي يعد الخدمة الأجود على مستوى خدمات النقل الداخلي، كما نجد المتاجر والمحلات والمقاهي والمطاعم والفضاءات الخاصة المفتوحة أمام العموم، تستعمل الفرنسية في قوائم الطعام والوصولات المقدمة للزبائن وعلى لوحات المداخل، وذلك لكون الجماعات الترابية لا تأخذ العدالة اللغوية بالحسبان وأيضا بسبب غياب قانون يلزم باستعمال اللغة الوطنية.
إذا كان المغرب اليوم قد تمكن من إحراز تقدم كبير في مشروع الإصلاح الديمقراطي وتثبيت العدالة، ما انعكس بشكل واضح على قضية المساواة بين الأفراد، وقد أنشأ هيئة لجبر الضرر والمصالحة بغية طي نهائي لصفحة الماضي، وإذا كان قد نجح في تبني دستور جد متقدم عام ٢٠١١ أجاب عن كثير من تطلعات المغاربة، من حيث ضمان الحقوق ومن حيث بناء دولة القانون، وإذا كانت الوظائف العليا والترقي لم تعد حكرا على فئة بعينها، فإن الإقصاء والتمييز اللغويين مازالا قائمين وهو ما يسيء لدولة القانون والحقوق، وللدستور الذي كتبه المغاربة وفرضوا فيه على الدولة أن تخاطبهم بالعربية والأمازيغية ولم يعترفوا فيه باللغة الفرنسية التي يصفها معظمهم اليوم باللغة المتجاوزة والمتهالكة. وقد نظمت من أجل حث الحكومة على استبدالها باللغة الإنكليزية، حملات شعبية ضخمة، كان آخرها الحملة التي تقول بعض التقديرات أنه قد شارك فيها ما يزيد عن ٩ مليون مغربي رافض للغة الفرنسية التي مازالت تحمل في ذهنية المغربي صفة "اللغة الاستعمارية" وذلك لكون وضعيتها لم تتغير بعد نيل المملكة استقلالها، بل زادت هيمنتها وسيطرتها على الحياة الإدارية والعامة وفي وسائل الإعلام الممولة من المال العام، وذلك بسبب فرضها على المواطن من خارج الدستور، في انتهاك صارخ لنصوصه خاصة الفصل الخامس منه، وذلك بفعل تأثير من يعرفون في الوسط المغربي ب"اللوبي الفرانكفوني" الذي يرى في تعريب الإدارة والإعلام الحكومي خطرا على امتيازاته غير القانونية.
إن وضعية الحقوق اللغوية والثقافية للشعب المغربي، لا تعكس ما تحقق من حقوق سياسية واجتماعية وغيرها، ذلك أن هذه الوضعية تمثل حالة بائسة بفعل الفوضى اللغوية، كانت نتيجتها فرض لغة مجتمع آخر بعيد عنا ثقافيا ودينيا ولغويا، وهي لغة كما سلف الذكر ارتبطت في الذاكرة الجمعية للمغاربة بالقوة الاستعمارية القهرية، ذلك أنها ورغم مرور أكثر من ستين عاما على استقلال المغاربة، مازالت مفروضة عليهم من خارج إرادتهم التي عبروا عنها في جميع دساتيرهم إلى آخر دستور، حيث اختاروا في دستورهم الحالي اللغتين الوطنيتين العربية والأمازيغية لغتان للتواصل بهما الدولة داخل الإدارة وبين الأقسام والمصالح وفي أغلب معاملات القطاع الخاص مع زبنائه ومتعامليه، باعتبراهما لغتان رسميتان.
لقد استفتي المغاربة منذ الاستقلال على اللغة العربية كما استفتوا في 2011 على اللغتين الوطنيتين الأمازيغية والعربية، لكنهم لم يستفتوا على اللغة الفرنسية، وبالتالي من حق المغاربة أن يرفضوا أن تفرض عليهم لغة لم يختاروها، فرغم التدني الذي تعرفه اللغة الفرنسية بين المغاربة، بتأكيد من وزير التعليم، إلا أننا نجدها مهيمنة بقوة وفي مستويات مبالغ فيها في وسائل الإعلام الحكومية السمعية البصرية، وذلك دون سند دستوري، كما لم تسلم الفضاءات العامة من سيطرتها، ضدا على أحكام القضاء التي قضت بعدم قانونيتها.
إن الحكومة قد أعلنت انخراطها في منظومة الحكومات المفتوحة وأكدت على تبني مبدأ النزاهة وأصدرت قانون 3113 الذي يتيح للناس الحق في الحصول على المعلومات والذي ألزمت المادة 10 منه الإدارات والوزارات ب"النشر الاستباقي" للمعلومات أي قبل أن يطلبها الشخص، كما أصدرت قانوناً لتأهيل وتبسيط الإجراءات الإدارية، غير أن اللوبي المغربي الفرانكفوني المكون من أثرياء وأصحاب شركات وسياسيين وجمعيات أيديولوجية وسياسية، لازال يستخدم إمكاناته ونفوذه في تحقير اللغة العربية الوطنية، وتهميشها والمساهمة في تعزيز الشعور بالإقصاء والدونية في الأوساط الشعبية، حيث يصطدم عموم المواطنين وأغلبهم من الطبقات الوسطى والدنيا والمسحوقة، باستمرار سيطرة اللغة الفرنسية على أغلبية التقارير والبيانات والمعطيات الرسمية، وبالتالي تجد النسبة العظمى من المغاربة نفسها محرومة من الوصول إلى كم هائل من المعلومات والبيانات والتقارير، والخدمات، خاصة ما يتعلق بالخدمات الإدارية الرقمية، والمعاملات الإدارية والوثائق والعقود والمراسلات والإيصالات والإشعارات الموجهة للمواطنين ومواقع آداء الفواتير كموقعي الماء والكهرباء وموقع شراء تذاكر القطار، وهذا الوضع أدى ومازال يؤدي إلى إقصاء ممنهج لمعظم المغاربة، كما أن استغلال العديد من الشركات، خاصة العاملة في مجال التأمين والمصارف والمؤسسات المالية والعقارية وبيع السيارات، وغيرها، جهل معظم المغاربة بهذه اللغة الأجنبية، يتسبب في تضييع حقوقهم وإيقاعهم في شرك النصب والاحتيال في كثير من الحالات، بسبب عدم قدرة العملاء على فهم واستعاب مضامين وشروط تلك العقود والإلتزامات، تحت إكراه الحاجة والاضطرار للتوقيع دون القدرة على معرفة الكثير من الشروط، وذلك لكون السلطة الحكومية المشرفة تمتنع عن تفعيل بعض مضامين قانون حماية المستهلك والقوانين المنظمة، التي تلزم باستعمال اللغة العربية.
إن طبيعة الفرنسية باعتبارها مدفوعة ومدعمة بتوجه أيديولوجي سياسي ومصلحي، وحرص جماعات الضغط النافذة على ضمان الامتيازات لها مقابل تهميش لغة الشعب، جعلها ترتبط بطبقة اجتماعية معينة في المغرب، يتوفر المنتمون لها على الإمكانيات المالية التي تمكنهم من اكتساب هذه اللغة في المدارس الأجنبية وصقلها في المراكز الثقافية الفرنسية والأندية الموازية، والتي تشترط انخراطات مالية ليست في متناول سوى أقلية من المغاربة.
وهذا التوجه اللغوي الذي فرض من خارج الدستور والذي ينتهك أحكام القضاء المغربي، ولا يحترم شروط المواطنة ومن ضمنها الحقوق اللغوية وعدم التمييز على أساس اللغة وعدم الإقصاء اللغوي - للغة الوطنية ولمستعمليها - على امتداد عقود جعل المجتمع المغربي، الذي كان موحدا اجتماعيا وثقافيا، جعله منقسما بين فئة صغيرة ومحدودة عدديا متمكنة من اللغة الفرنسية الأجنبية، تتوفر على إمكانيات مالية جعلتها منفتحة على اللغة الفرنسية وعلى ثقافة فرنسا، حيث تتوفر لهؤلاء الشروط المادية والمؤهلات لكي يسافروا إلى فرنسا ويكملوا دراستهم هناك، وأغلبهم درسوا في المعاهد الفرنسية المستقرة في المغرب، وقد توفرت لديها جميع سبل الاندماج في كافة مجالات الحياة، ودائما ما كانت لديهم الأولوية في جميع الحقوق المرتبطة باللغة، بدءً من الوصول إلى المعلومات والمعرفة والخدمات الإدارية المقدمة من القطاعين العام والخاص، وغير ذلك، بما فيه برامج التلفزيونات الحكومية، من النوعية الجيدة والراقية، كتغطية سباقات السيارات التي تقام داخل المغرب، وبرامج السيارات الحديثة وبرامج الثقافة والاستطلاعات والتحقيقات الكبرى والبرامج المعنية بالاقتصاد، على القناة الثانية الحكومية، مثلا، التي تعتمد 20 بالمئة من برامجها باللغة الفرنسية، وجميع هذه البرامج ذات مستوى ومضمون جيد، رغم أن الدستور لا يسمح باستعمال الفرنسية، في مقابل ذلك تبث بقية البرامج بالعربية العامية، وزيادة على مضمونها الهابط، باعتراف الجميع بما في ذلك الصحف، فإن هذه العربية تسيطر عليها الجمل الفرنسية، بشكل مقصود حيث تتعمد القناة استقطاب مقدمي برامج على أساس القدرات في توظيف اللغة.
نسمع بين الفينة والأخرى، من يدعي أن اللغة الفرنسية أصبح لها حضور وسط المغاربة، أو أن هذا التواجد لهذه اللغة هو بسبب انفتاح المغاربة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل كانت هذه اللغة ستفرض نفسها بنفس المستوى على المغاربة لولا وجود جهات فرضتها على المغاربة بالإكراه؟ ومن خارج الدستور ودون استفتائهم أو أخذ موافقتهم بطريقة ديموقراطية؟ طبعا الجواب بديهي طالما أن هذه اللغة مفروضة دون مشروعية قانونية فقد وجب على الحكومة باعتبارها سلطة تنفيذية أن تحد من استعمالها، حيث أن الإصرار على فرض هذه اللغة على المغاربة من خارج ارادتهم المعبر عنها في الفصل الخامس من دستورهم ودون استشارتهم أو أخذ رأيهم أو اشراكهم في تقرير مصيرهم اللغوي واقصائهم من حقهم في المشاركة في وضع سياسة لغوية تضمن لهم حقوقهم اللغوية وما يرتبط بها من حقوق إدارية وخدمية وإعلامية وسائر الإجراءات التي تستعمل فيها، هو انتهاك للعدالة المجتمعية وتمييز المجتمع طبقيا بواسطة اللغة، وانتهاك لشروط المساواة والكرامة والعيش الكريم، وينتهك البنود المجرمة لكافة أشكال التمييز، بما فيه التمييز على أساس اللغة والثقافة.
وبناء على العناصر الحقوقية والقانونية والدستورية والمنطقية التي سردناها في هذا النص، ندعوكم أولا التعامل مع قضية اللغة العربية كقضية حقوق انسان، والتدخل لدى الحكومة من أجل تفعيل حقيقي وشامل للطابع الرسمي للغة العربية، على أن يشمل ذلك سائر المجالات دون تمييز باعتبار أن العربية لغة سائر المغاربة ولا يحق لأي جهة أن تقرر في شأن مجالات استعمالها طالما أن المغاربة لم يستشاروا في ذلك.
تعليقات
إرسال تعليق